ذكرى إعلان الإستقلال من داخل البرلمان
19/12/1955
دعوني أنظر للأمر من زاويتي الحرجة والضيقة جداً والمليئة ألماً وحسرةً على أولئك الرجال الذين وهبونا وطناً على مقاس أحلامنا وطموحاتنا ...
وطناً يصلُّحُ لكلِ زمانٍ وحزبٍ وطائفة ...
وطناً لطالما كلفهم الكثير من الدماء والوقت حتى يمنحوهُ لنا على طبقٍ من الوطنية ،
ولكننا رغم كل هذا - ببساطة - فرَّطنا ومازلنا وسنظل نفرِّط في ربوعه (المليون محبه وود) ...
كأننا إشتريناهُ من إحدى البقالات ...
أو كأن أحداً ما أهداهُ لنا في حفل شاي ...
وطنٌ بكامل شعبه وحدوده يُستغفل ويُمزَق ويُنهب على مرأى من ضعفنا وذُلنا ...
أولسنا من صُلبِ ذلك الجيل الذي تحدى المستعمر وقال كلمته بسيفهِ وشعرهِ أمام جبروتهم !!!
أولسنا أحفاد الأزهري ؟؟
أولسنا من جيل المهدي والمحجوب !!؟
لماذا إذاً هذا الصمت وهذه المهانة !!!
ولماذا ينكأوون جراحنا من جديد ؟؟
وكيف يريدوننا أن نحتفل بهذه الذكرى ونصف أبناء الوطن موزعين في منافي الآخرين !!!!!!
كيف لنا أن نحتفل بذكرى تذكِّرُنا من وقتٍ لآخرٍ بضعفنا وعجزنا عن الحِفاظ بالوطن المستقل كاملاً كما إستلمناهُ !!!!
فلتدعوننا وشأننا ....
لا تذكرونا رجاءً بهذا التأريخ ، حتى لا نكتشف أيُ شعبٍ مهينٍ نحن ...
لا تذكرونا بهذا التأريخ ... حتى يتسنى لكم مواصلة طرد ما تبقى من أبناء الوطن إلى الخارج ..
إحذفوا هذا التأريخ من تقويم الوطن حتى نقول لصغارنا أننا خُلقنا كهذا .. مُستَعمرينَ ومُقيدينَ في قيود الأسياد ، فلا يطالبوننا بالنهضة وتمثيل دور الأجداد ... والثورة في وجهكم ..
قولوا في إعلامِكم في هذا اليوم أن السيد (مبارك زروق) في ذلك الوقت كان مشغولاً بلعب البلياردو مع رفاقه من مجلس الشعب ..
وأن السيد (محمد أحمد محجوب) كان مشغولاً بكتابة قصيدة حبٍ لإحدى بنات الليل ..
وأن الزعيم (الأزهري) كان يراقب عمال البناء والتشييد في (تشطيب) عماراته الجديدة في إحدى أحياء الخرطوم ..
وأن السيد (مشاور جمعة سهل) كان في غرب الوطن غارقاً في (النقارة) وما كان يعرف عن البرلمان أيُ شيء ..
وأن السيد (عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة) كان وقتها مهووساً بأبقاره وماشيته ولم يقدم أيُ مقترحاً كما تقولون ..
وأن الشعب في ذلك الوقت كأن مثلكم تماماً ، يتجادل في (شطب) هيثم مصطفى ورجوعه ، وفي أحدث أنواع الموضة والأزياء ، وفي آخر الأغاني (الهابطه) التي تغنت بها إحدى (القونات) ، وفي آخر صيحات حلاقة الشعر وأرقى أنواع الموبايلات ..
ما كنا حينها سنطالبكم بشيء ، وسنعتبر أنها (خربانه من كبارا) .. ونرضى بذلك الوضع ...
لكنكم تصرون على تذكيرنا بأنه كان هنالك رجالاً في هذا الوطن ، ولكنهم أنجبوا أطفالاً بلا تاريخ ولا طموح ولا عزة ..
دعوننا وشأننا ...
لسنا في حوجةٍ لمزيد من الجراحِ التي تصدرها لنا تلك الأغاني الوطنية التي تتباهون بها في هذه الأيام ..
إسكتوا (العطبراوي) ، فهو لم يغنِ لشعب اليوم ... بل كان يعني شعباً حقيقياً يستحق أن يُسجن ويُجلد من أجله ..
أوقفوا (وردي) ، دعوه يرتاح في قبره بعد طول عنائه وصبره على هذا الوطن ..
لا تطالبوه بنشيد الإستقلال ، حتى لا نشعر بأننا مازلنا تحت يد الإستغلال .
فلتصمت كل الأغاني الوطنية اليوم ... وإذا كان لابد من ذكرى ، فلتكن ذكرى دموعنا على أولئك المخلصون والأبطال الذين خيَّبنا ظنَّهم فينا ...
ولتكن ذكرى للبكاء والتحسُّر على أطلال الأجداد التي أهلنا عليها التراب ..
لا تذكِّروننا بذلك اليوم ...
ريثما ننسى جرحاً فجرحاً أنه كان لنا وطناً في يومٍ من الأيام ..
زاوية خاصة :
عفواً سيدي (حميد) ...
وجميلٌ أنك ميتٌ الآن ... حتى لا تموتَ مرتين ، مثلنا .
19/12/1955
دعوني أنظر للأمر من زاويتي الحرجة والضيقة جداً والمليئة ألماً وحسرةً على أولئك الرجال الذين وهبونا وطناً على مقاس أحلامنا وطموحاتنا ...
وطناً يصلُّحُ لكلِ زمانٍ وحزبٍ وطائفة ...
وطناً لطالما كلفهم الكثير من الدماء والوقت حتى يمنحوهُ لنا على طبقٍ من الوطنية ،
ولكننا رغم كل هذا - ببساطة - فرَّطنا ومازلنا وسنظل نفرِّط في ربوعه (المليون محبه وود) ...
كأننا إشتريناهُ من إحدى البقالات ...
أو كأن أحداً ما أهداهُ لنا في حفل شاي ...
وطنٌ بكامل شعبه وحدوده يُستغفل ويُمزَق ويُنهب على مرأى من ضعفنا وذُلنا ...
أولسنا من صُلبِ ذلك الجيل الذي تحدى المستعمر وقال كلمته بسيفهِ وشعرهِ أمام جبروتهم !!!
أولسنا أحفاد الأزهري ؟؟
أولسنا من جيل المهدي والمحجوب !!؟
لماذا إذاً هذا الصمت وهذه المهانة !!!
ولماذا ينكأوون جراحنا من جديد ؟؟
وكيف يريدوننا أن نحتفل بهذه الذكرى ونصف أبناء الوطن موزعين في منافي الآخرين !!!!!!
كيف لنا أن نحتفل بذكرى تذكِّرُنا من وقتٍ لآخرٍ بضعفنا وعجزنا عن الحِفاظ بالوطن المستقل كاملاً كما إستلمناهُ !!!!
فلتدعوننا وشأننا ....
لا تذكرونا رجاءً بهذا التأريخ ، حتى لا نكتشف أيُ شعبٍ مهينٍ نحن ...
لا تذكرونا بهذا التأريخ ... حتى يتسنى لكم مواصلة طرد ما تبقى من أبناء الوطن إلى الخارج ..
إحذفوا هذا التأريخ من تقويم الوطن حتى نقول لصغارنا أننا خُلقنا كهذا .. مُستَعمرينَ ومُقيدينَ في قيود الأسياد ، فلا يطالبوننا بالنهضة وتمثيل دور الأجداد ... والثورة في وجهكم ..
قولوا في إعلامِكم في هذا اليوم أن السيد (مبارك زروق) في ذلك الوقت كان مشغولاً بلعب البلياردو مع رفاقه من مجلس الشعب ..
وأن السيد (محمد أحمد محجوب) كان مشغولاً بكتابة قصيدة حبٍ لإحدى بنات الليل ..
وأن الزعيم (الأزهري) كان يراقب عمال البناء والتشييد في (تشطيب) عماراته الجديدة في إحدى أحياء الخرطوم ..
وأن السيد (مشاور جمعة سهل) كان في غرب الوطن غارقاً في (النقارة) وما كان يعرف عن البرلمان أيُ شيء ..
وأن السيد (عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة) كان وقتها مهووساً بأبقاره وماشيته ولم يقدم أيُ مقترحاً كما تقولون ..
وأن الشعب في ذلك الوقت كأن مثلكم تماماً ، يتجادل في (شطب) هيثم مصطفى ورجوعه ، وفي أحدث أنواع الموضة والأزياء ، وفي آخر الأغاني (الهابطه) التي تغنت بها إحدى (القونات) ، وفي آخر صيحات حلاقة الشعر وأرقى أنواع الموبايلات ..
ما كنا حينها سنطالبكم بشيء ، وسنعتبر أنها (خربانه من كبارا) .. ونرضى بذلك الوضع ...
لكنكم تصرون على تذكيرنا بأنه كان هنالك رجالاً في هذا الوطن ، ولكنهم أنجبوا أطفالاً بلا تاريخ ولا طموح ولا عزة ..
دعوننا وشأننا ...
لسنا في حوجةٍ لمزيد من الجراحِ التي تصدرها لنا تلك الأغاني الوطنية التي تتباهون بها في هذه الأيام ..
إسكتوا (العطبراوي) ، فهو لم يغنِ لشعب اليوم ... بل كان يعني شعباً حقيقياً يستحق أن يُسجن ويُجلد من أجله ..
أوقفوا (وردي) ، دعوه يرتاح في قبره بعد طول عنائه وصبره على هذا الوطن ..
لا تطالبوه بنشيد الإستقلال ، حتى لا نشعر بأننا مازلنا تحت يد الإستغلال .
فلتصمت كل الأغاني الوطنية اليوم ... وإذا كان لابد من ذكرى ، فلتكن ذكرى دموعنا على أولئك المخلصون والأبطال الذين خيَّبنا ظنَّهم فينا ...
ولتكن ذكرى للبكاء والتحسُّر على أطلال الأجداد التي أهلنا عليها التراب ..
لا تذكِّروننا بذلك اليوم ...
ريثما ننسى جرحاً فجرحاً أنه كان لنا وطناً في يومٍ من الأيام ..
زاوية خاصة :
عفواً سيدي (حميد) ...
وجميلٌ أنك ميتٌ الآن ... حتى لا تموتَ مرتين ، مثلنا .