القصة التي أحرزت الجائزة الأولى على مستوى النصوص المشاركة في منافسة القصة القصيرة التي نظمها إتحاد الكتاب السودانين بالتعاون مع وزارة الصحة ...
بسم الله الرحمن الرحيم
إتحاد الكتاب السودانين
القصة الأولى الفائزة في مسابقة القصة القصيرة
الرســـالة الأخيـــــرة
بقلم : معز عوض أبوالقاسم جادالله
"حرام أن يُخبأ عن الآخرين هذا الجسد الجميل"
هكذا قالت "سعاد" في نفسها أمام المرآة . وهي تراقب جسدها شبه العاري باعتزاز ، تفحصته جيداً .. كأنها تراهُ لأول مرة .. وتحسسته بإحساسِ من يخاف فقدان شيئاً ما .. إنطوت على نفسها وأخذت تبكي ، ما زالت تذكر بمرارةٍ صدمة إخبارها بالإصابة قبل أسبوع من الآن .. لطالما قاومت نفسها بعد علاقتها المشبوهة تلك بصديقها محمود الذي خدعها وهاجر خارج البلاد .. لم تكن تريد الذهاب للفحص حينها .. ولكن رغبةَ أن تعرفَ على أي أرضٍ تقف ، كانت أقوى من قلقها .. مرّت اللحظات رهيبة جداً ومخيفة بعد أن قام الممرض بأخذ عينة دمٍ منها .. كان وحش الخوف والرهبة ينتظرها رغم الإرشادات النفسية التي قُدمت لها قبل الفحص .. أخذت الدموع حينها تتدافع بتدفق مخيف من عينيها الجمليتين .. ودقات قلبها تتسارع متوترة ..
هربت "سعاد" من تلك الذكريات المؤلمة وأخذت ترش العطر بإفراطٍ على جسدها .. كلما همت بتذكر تلك الأحداث يتوقف خيالها حتى تلك النقطة .. لا تريد تذكّر وجه الطبيب وهو يصارحها بحقيقةِ المرض .. إنتفضت مثل الأفعى من مكانها وقالت في نفسها مرة أخرى:
" لا أحد يعلم بهذا .. لا أحد .. لن أراجع ذلك الطبيب الغبي مرةً أخرى ولن أأبه لما يقول .. أنا بخير .. ويجب أن أمارس حياتي بذات المتعة الأولى .. لن أموت وحدي ، سيدفع الرجال الأغبياء ثمن هذا الذي يحدث لي .. سأنتقم من محمود "
ثم أخذت حقيبتها الصغيرة وانصرفت .. صادفتها أمها أمام باب غرفتها وقالت باستغراب:
"ما الذي ألمّ بك يابنيتي ؟! مرّ أكثر من أسبوع وأنتِ على هذا الحال لا تأكلين شيئاً ولا تباريحين الغرفة .. ما بك ؟! "
لا أحد كان يعلم بالأمر فقط سعاد وذلك الطبيب ...
"لا شيء ".. قالت وهي تهم بالخروج .. ثم أردفت في نفسها بحقد ...
" لا شيء .. أريد أن أشتري مزيدأً من الأكفان"
في كل ثانية يزداد حقدها تجاه محمود .. مع أنها بعد ليلتها الأخيرة التي كانت معه ، مارست أكثر من تسعة علاقات أخرى إلا أن فكرة الانتقام تزداد عندها مع كل مرةٍ تتذكره فيها . ربما لأنه لم يفِ بوعدهِ ويتزوجها . كل وعوده لها إنتهت باستدراجها لتلك الليلة ليتركها بعد أول فرصةِ عملٍ بالخارج ويتزوج بعدها بفتاةٍٍ أخرى في إحدى الدول العربية .
لم تأبه بعد ذلك لما تعمل .. أخذت تواعد كل من تصادفه دون أن تراعي العواقب المترتبة على ذلك . في سرير كل رجل أخر كانت تحس بأنها تطعن محمود من الخلف لذا إستلذت مسألة أن تكرر الطعنات عليه مراراً ومراراً لكي تثبت له أنها أقوى منه وأنها مازالت تعيش حياتها كما كانت دون أن يؤثر عليها فقدانه ... كانت مكابِرَةً منذ صغرها وطائشة جداً منذ أن توفى والدها وأخاها الأكبر في حادثٍ أليم ليتركاها مع والدتها منذ عشرين عاماً ... تزوجت أمها بعد ذلك ولكنها لم توفق مع زوجها الجديد فطلقته بعد أربع سنين دون أن تنجب منه وأكتفت بتفرغها لتربية إبنتها سعاد التي أكملت دراستها الجامعية وجلست تساعد أمها في المنزل ... لطالما صانت والدتها نفسها حفاظاً على سعاد التي لم تقدر ذلك وردَّت جميلها بعهرٍ واضح.
"فليذهب محمود إلى الجحيم .. ما ذنب الآخرين إذاً ؟! "
مرةً بعد أخرى يعلو صوت الحق ولكنها سرعان ما تخرصه بشراسة " ذنبهم أنهم جميعاً مثله يظنون أن الأمر بيدهم ويمكنهم فعل كل شيء ولكني سأثبت لهم عكس ذلك .. سأمرِّغهم في التراب" .
دائماً تكون سعاد في حالة حوارٍ مع نفسها .. صراع الخير والشر فيها مازال مستمر .. جانب المنطق يقول لها أن تستسلم لهذا الفيروس وتدع تصرفاتها الهوجاء لكي لا يتضرر الآخرين .. وشيطانها يوسوس لها أن تأخذ معها رفقاء للقبر .
ذات الشيطان الذي قادها للمعصية ، هو الذي هيأ لها فكرة الانتحار التي نجت منها بعد يومين من نتيجة الفحص .. واليوم هي تجرب ووسيلة أخرى للهروب . مازال التخبط ممسكاً بيدها .. وأثر الصدمة يسلمها من إحباطٍ إلى اكتئاب إلى خوف . لا تريد أن تكون وحدها في ذلك العالم الغريب .. تريد أصدقاء و أعضاء جدد معها في هواجسها وتتملكها فكرة الانتقام.
كانت الشمس في الجانب الآخر من الطريق تلملم خيوطها الذهبية وهي تهم بالمغادرة نحو المغيب . شاب في الثلاثينيات من عمرهِ في محطة الوقود يراقب غروبها من خلف نافذة سيارته الفارهة .. رائحة مثيرة تفوح من داخل سيارته وأغنية هادئة يتمايل معها بانسجامٍ تام .. أغلق عامل المحطة خزان الوقود فأعطاهُ الشاب أجرِه وأنطلق بسيارته.
سعاد على الرصيف تائهه تتفحص العامة لتختار منها ضحيتها الأولى ، المركبات العامة تُنِزِّل الركاب وتحمل آخرين وهي مازالت في مكانها . ربما لم تأتي الضحية بعد " يجب أن يكون في عمر محمود تماماً " هكذا كانت شروط الضحية لديها " ويجب أن يكون... " قطعت سعاد حديثها الداخلي وأخذت تلوِّح لسيارةٍ أنيقة مرَّت بجانبها ، لم يكترث السائق لها وأنصرف يتمتم في سره " العاهراتُ يكدنَ يقطعنَ الطريقَ على الرجال "
جملةً من الشتائم والسباب كالتها سعاد عليه وأردفت في نفسها :
" لن أموت وحدي .. لابد من آخرين "
وأخرجت عطرها المثير مرةً أخرى ورشته علي جسدها
" ها قد جاء "
صاحت في داخلها بسعادة . ذات الشاب في محطة الوقود وذات الرائحة المثيرة والسيارة الفارهة وقف أمامها بعد أن لوحت له سعاد بتمايلٍ أنثوي خبيث .
" إلى أين ؟؟ " أخرج الشاب عبارته من نصف نافذة سيارته .
"أريد فقط أن أجتاز ذلك الجسر إلى الجهةِ الأخرى فالطريق مزدحمة " قالت ببراءةٍ مصطنعة.
لحظات وكانت سعاد داخل السيارة عن يمين الشاب ذو الثلاثين عاماً وقد بدأت في تنفيذ مخططها الملعون .
" أتمنى ألأَّ أكون قد أقحمت نفسي عليك " قالت سعاد.
" إطلاقاً .. فالطرق حقاً مزدحمة .. إلى أين بالتحديد ستتجهين !! قد يكون طريقنا واحد " قال الشاب
"أتمنى ان يكون طريقنا واحد" أردفت بدلالٍ واقتربت منه أكثر . لم يكن الشيطان يحتاج الكثير ليوقعهما سوياً في حبالهِ .
لحظات وقالت بوضوحٍ بعد أن خلعت خمارها الغير مستقر على شعرها:
" أهناك متسع في سريرِك لشخصٍ آخر ؟؟! "
لم يجاوبها شفاهةً وأكتفى بوضع يدهِ علي يدها المرتعشة . لقد أفلح الشيطانُ إذاً فها هما في شقةٍ مشبوهةٍ وفي وضعٍ مشبوه ولا يفصلهما عن بعضهما في سريرٍ واحد سوى ما يكفي لدخول نملةٍ صغيرة دون أن ترفع يدها ملوحةً لصويحباته بالوداع ... تقلَّصت المسافات والملابس بينهما وعلى الأريكة يصفق الشيطان بسرورٍ لسعاد .
أتمت سعاد مخططها الخبيث وأخذت رقم تلفونه ورجعت لمنزلها بعد أن نامت أمها العجوز. إرتدت سعاد أجمل ثيابها وخرجت بعد الثامنة من مساء اليوم التالي وبدأت رحلة البحث عن ضحيةٍ أخرى من ذات الرصيف .. لم يطل إنتظارها هذه المرة فالملابس التي ترتديها جعلت الآخرين يتسابقونَ لخطفها ، سريرُ آخر ، وعُريٌ آخر ومريض آخر .. أكملت حماقاتها وأخذت رقم تلفون ضحيتها الجديدة وقفلت راجعة للمنزل .
لأكثر من عشرين يوماً وسعاد تمارس الفاحشة دون تحفظ وتشترط على ضحاياها أن يمارسوا معها بتحررٍ كامل وبدون أي عازل لتكتمل جريمتها .. مزيداً من الضحايا ومزيداً من أرقام هواتفهم الجديدة صارت في حوزة سعاد وأمها المسكينة تنام دائماً بحجة أن إبنتها مع صديقتها "سوسن" .
بلغ اليأس ذروته لدى سعاد ، فالأكفان التي خاطتها لم تشغلها عن همومها وخوفها من المستقبل المميت .. تدهورت صحتها وأصبحت رهن سجنها المخيف لا تبارح منزلها ولا تأكل .. كثيراً من المحادثات التلفونية الفاضحة وكثيراً من الأصدقاء التي تدلهم على فتيات سيئات من مكانها بحكمِ أخلاقها السيئة .. تريدُ حيِّزاً أكبر من الإنتشار لذلك الفيروس وتريدُ أكبر عدداً من الرجال المصابين . ذكريات تلك الليالي الفاسقة تترائي أمامها وتستعرضها بفرحةِ المنتصرين رغم دموعها التي لم تفارقها أبداً . وفي كل مرةٍ تحصي عدد ضحاياها .. واحدٌ وثلاثين رقم تليفوناً جديداً مما يعني واحدٍ وثلاثين ضحيةً .
"كم مرةٍ يجب أن يموت محمود في داخلي !!" قالت لنفسها وانفجرت ضاحكة " لا يهم ... فكل هؤلاء الرجال تحت أمري وتحت رحمة نظرتي ، لن يروي شبقهم غيري كما لن يقتلهم أحداً غيري " وعادت لبكائها الغريب. بكاءٌ وضحكٌ وصمتٌ ووجوم يسيطران عليها في آنٍ واحد ورهبة أن الموت يقف على بابها في إنتظار أن تفتح ، لم يبرح مخيلتها .. تخاف أن تخرج من غرفتها فيصطادها الموت .. تخافُ إن باحت بحقيقة مرضها للآخرين ، أن ينبذوها ويتخلوا عنها .. لا تريد أن تفقد كل هذه الأشياء المحيطة بها ولكنها يجب أن تعيش كالأخريات لابد لها أن تتزوج وتنجب .. تجاوز عمرها الثامنة والعشرين عاماً ولم يتقدم لها أحد فالجميع في الحي يعرف علاقاتها المشبوهة بمحمود الذي شوَّه سمعتها وهرب وهو مثله مثل زوج والدتها الذي خانَ أمها وتم ضبطه متلبساً مع إمرأة أخرى وكثيراً ما حاول الإيقاع بسعاد وهي ما تزالُ طفلةً .
كلما همدت نار إنتقامها من محمود قليلاً ، تُشعِلها بكراهيتها لزوج أمها الذي لم يكن أمامهما سوى ثورٍ هائج يضربهما لأتفهِ الأسباب ولا همَّ لديه سوى النساء .
" سِكيرٌ غبي مثل محمود ... تُفٍ لقبيلةِ الرجال "
أخرجتها سعاد بمنتهى الحقدِ والكراهية .. لقد حان الدور لكي تردَّ حقوقها وحقوقِ أمها ...
أخذت الإحباطاتُ المحيطةُ بها تُقعِدَها أحياناً على الأرض وأحياناً على طرف سريرها الصغير وأحياناً تختبئ داخل خزانة ملابسها وترتعدُ من الخوف ، ضميرها يُمسِكُ بسوطٍ من نارٍ ويضربها كلما همَّت بالنوم وذلك الفيروس يمرح سعيداً داخلها وداخل كل الرجالِ الذين نامت معهم .
" لابدَّ من خلاصٍ إذاً "
هكذا يقترحُ عليه الشيطان في داخلِها المتمزق .. ولكن أمها المسكينة التي لا تملك من هذه الدنيا سواها وأسرةٍ خالها التي ضاقت ذرعاً بالعاصمة وأنتقلت لجذورها بإحدى الأقاليمِ النائية .
" يجب أن أصارحَ أمي فقط ... عليها أن تعلمَ بالأمر .. ربما سيخفِّف هذا عليَّا قليلاً "
قالت وهي ممسكةً بضفيرتها المتدلية من شعرها الطويل . لا تستطيع "سعاد" ذلك فهي تعلم جيداً أن والدتها رهينة أمراض الضغط والسكَّري اللذان يبقيانها بعيدةً عن أي إنفعال لهذا ستفقدها إذا أخبرتها بذلك .
" لا أحد سيفهمني سوى سوسن " صاحت بفرحةٍ حزينة ولكن سرعانَ ما عادت لحيرتها حينما تذكَّرت أن عائلة صديقتها سوسن أوقفوا إبنتهم من الزيارات المتبادلة بينها وبين "سعاد" لكي لا تجرفها نحو الرزيلة .
" إذاً ... لا شخص آخر سوى ذلك الطبيب "
أعلنها صوت الضمير داخلها بجرأةٍ ، فأسكتته بالنهوض من مكانها والبكاء مرةً أخرى وقامت بمحادثة إحدى زوارها الليلين لكي يوفر لها مأوى أخير وبعضاً من حقن المخدر الذي أدمن عليه.. فرح الشاب بفكرتها واتفقا على قضاء ليلةٍ سافرةٍ أخرى
تجاوزت سعاد كآبتها وذهبت بيأسٍ لليلة الأخيرة التي أرضت فيها جميع نزواتها الحسية ولم ترجع حينها للمنزل .. فقد سهرا سوياً وغابا عن الوعي سوياً .. لترجع سعاد في اليوم التالي برفقةِ عددٍ من حقن تلك المادة المخدرة .. وكعادتها قدمت حجةٍ واهية لأُمها العجوز ... ولكنها عادت ونامت على صدرها طيلة النهار .. قالت لها فقط أنها مرهقة ولم تخبرها بشيء .. أحست حينها بكامل الطمأنينة وهي تنام على صدرها الحاني ، ياليتها لم تفارقه أبداً .. يا ليتها لم تخرج من رحمها أصلاً .. ياليتها لم تكن أُنثى
في المساء .. عادت سعاد لغرفتها وقد فارقها الأمن مباشرةً بعد أن إبتعدت عن حضن أُمها .. عاد القلق بصورة فظيعة . لأول مرة تتناول ذلك المخدر .. لابَّد أنها الآن تحت رحمة الإدمان .. دقات قلبها تكاد تخرج خارج صدرها .. وقدماها بالكاد تساعداها على الوقوف .. أحست بأنها أضعف بكثيرٍ من أي لحظة أخرى .. انطبقا عليها هاجسا الإدمان والمرض .. أخذت تنظر لنفسها في المرآة .. لم تر وجهها وقتها , كانت فتاة بلا وجه .. فتاةٌ يقف الإيدز ممسكاً بيديها في عنف . أخذت يديها المرتعشتان تبحثان عن هاتفها المحمول تناولته واتصلت بالطبيب الذي تقيم علي بعدِ نصف ساعةٍ من عيادته التي أجرت فيها الفحص وطلبت منه بإلحاح أن يأتي لمنزلها الآن ثم أنهت المحادثة وازدادت بكاءً . كان الشيطان وقتها يُمليها مخططه بسعادة وهي تنفِّذُ بإستسلامٍ تام ، إستعادت بعض تماسكها وأخذت تكتب رسالةً نصيةً على هاتفها المحمول .. رسالةٌ لطالما خططا هما والشيطان سوياً لكتابتها .. ولطالما تخلَّت من أجلها عن كرامتها وشرفها كأنثى .. رسالةٌ تحمل جملةً من الرسائل التي ستدمر جميع من أحتكت بهم وكل الرجال الذين عرفتهم .. كان محتوى الرسالة لا يتجاوز الخمس كلمات فقط ، كتبتها ودموعها ترفض التوقف وقامت بإرسالها للواحدِ والثلاثين رجلاً الذين عاشرتهم . فهي لم تأخذ أرقام هواتفهم المحمولة عبطاً .. هاهي حوجة تلك الأرقام قد ظهرت .
بعدها قامت "سعاد" بتحطيم الهاتف فورَ تأكدها من وصول رسالتها للجميع عن طريقِ تقنية خيارات الإرسال المتعددة داخل هاتفها وأخذت تستعيد شريط ذكرياتها المرة وكل لحظه كانت مع فتاها السابق محمود والبكاء والإرتباك والقلق يحيطان بها من كل جانب ثم أخذت الورقة والقلم وكتبت بإستعجالٍ فيها " لقد إنتقمت أخيراً من محمود "
بعدها أخذت حقنة المخدر وحقنت نفسها بكمياتٍ كبيرة جداً منه ، وعلَت ضحكتها بعد ذلك ليعقبها دموع وبكاء ثم سقطت على الأرض بإنهيارٍ تام . إنتبهت أمها لصوت الإرتطام ودخلت غرفتها في ذات اللحظة التي دخل فيها الطبيب ليجدا "سعاد" جثةً هامدة على الأرض وما تزال الإبرة مغروسةً في يدها التي إنتفخت من كُثر الجرعات إلي حُقنت بها .
أنتبه الطبيب للرسالة الموضوعة بجانب الهاتف المحطم فقرأها أمام أمها التي سقطت مغشيةً عليها من الحزن .. إرتبك الطبيب قليلاً لكنه قاوم الموقف وقام بلف جثة "سعاد" بقطعة قماش وأخذ أمها للمستشفى وهي تحتضر.
في ذات اللحظة كانت الرسالة تسري بسرعة داخل شبكات الهواتف المحمولة .. أحد الشباب المعنيين بالرسالة وصلت له فقام بفتحها بسرعة وإذ بها كالآتي :
( مرحباً بك في نادي الإيدز )
معز عوض أبو القاسم جاد الله
الإشراف الثقافي _ جامعة القضارف
0922226537 -0918875557
moizawad12@yahoo.com
بسم الله الرحمن الرحيم
إتحاد الكتاب السودانين
القصة الأولى الفائزة في مسابقة القصة القصيرة
الرســـالة الأخيـــــرة
بقلم : معز عوض أبوالقاسم جادالله
هكذا قالت "سعاد" في نفسها أمام المرآة . وهي تراقب جسدها شبه العاري باعتزاز ، تفحصته جيداً .. كأنها تراهُ لأول مرة .. وتحسسته بإحساسِ من يخاف فقدان شيئاً ما .. إنطوت على نفسها وأخذت تبكي ، ما زالت تذكر بمرارةٍ صدمة إخبارها بالإصابة قبل أسبوع من الآن .. لطالما قاومت نفسها بعد علاقتها المشبوهة تلك بصديقها محمود الذي خدعها وهاجر خارج البلاد .. لم تكن تريد الذهاب للفحص حينها .. ولكن رغبةَ أن تعرفَ على أي أرضٍ تقف ، كانت أقوى من قلقها .. مرّت اللحظات رهيبة جداً ومخيفة بعد أن قام الممرض بأخذ عينة دمٍ منها .. كان وحش الخوف والرهبة ينتظرها رغم الإرشادات النفسية التي قُدمت لها قبل الفحص .. أخذت الدموع حينها تتدافع بتدفق مخيف من عينيها الجمليتين .. ودقات قلبها تتسارع متوترة ..
هربت "سعاد" من تلك الذكريات المؤلمة وأخذت ترش العطر بإفراطٍ على جسدها .. كلما همت بتذكر تلك الأحداث يتوقف خيالها حتى تلك النقطة .. لا تريد تذكّر وجه الطبيب وهو يصارحها بحقيقةِ المرض .. إنتفضت مثل الأفعى من مكانها وقالت في نفسها مرة أخرى:
" لا أحد يعلم بهذا .. لا أحد .. لن أراجع ذلك الطبيب الغبي مرةً أخرى ولن أأبه لما يقول .. أنا بخير .. ويجب أن أمارس حياتي بذات المتعة الأولى .. لن أموت وحدي ، سيدفع الرجال الأغبياء ثمن هذا الذي يحدث لي .. سأنتقم من محمود "
ثم أخذت حقيبتها الصغيرة وانصرفت .. صادفتها أمها أمام باب غرفتها وقالت باستغراب:
"ما الذي ألمّ بك يابنيتي ؟! مرّ أكثر من أسبوع وأنتِ على هذا الحال لا تأكلين شيئاً ولا تباريحين الغرفة .. ما بك ؟! "
لا أحد كان يعلم بالأمر فقط سعاد وذلك الطبيب ...
"لا شيء ".. قالت وهي تهم بالخروج .. ثم أردفت في نفسها بحقد ...
" لا شيء .. أريد أن أشتري مزيدأً من الأكفان"
في كل ثانية يزداد حقدها تجاه محمود .. مع أنها بعد ليلتها الأخيرة التي كانت معه ، مارست أكثر من تسعة علاقات أخرى إلا أن فكرة الانتقام تزداد عندها مع كل مرةٍ تتذكره فيها . ربما لأنه لم يفِ بوعدهِ ويتزوجها . كل وعوده لها إنتهت باستدراجها لتلك الليلة ليتركها بعد أول فرصةِ عملٍ بالخارج ويتزوج بعدها بفتاةٍٍ أخرى في إحدى الدول العربية .
لم تأبه بعد ذلك لما تعمل .. أخذت تواعد كل من تصادفه دون أن تراعي العواقب المترتبة على ذلك . في سرير كل رجل أخر كانت تحس بأنها تطعن محمود من الخلف لذا إستلذت مسألة أن تكرر الطعنات عليه مراراً ومراراً لكي تثبت له أنها أقوى منه وأنها مازالت تعيش حياتها كما كانت دون أن يؤثر عليها فقدانه ... كانت مكابِرَةً منذ صغرها وطائشة جداً منذ أن توفى والدها وأخاها الأكبر في حادثٍ أليم ليتركاها مع والدتها منذ عشرين عاماً ... تزوجت أمها بعد ذلك ولكنها لم توفق مع زوجها الجديد فطلقته بعد أربع سنين دون أن تنجب منه وأكتفت بتفرغها لتربية إبنتها سعاد التي أكملت دراستها الجامعية وجلست تساعد أمها في المنزل ... لطالما صانت والدتها نفسها حفاظاً على سعاد التي لم تقدر ذلك وردَّت جميلها بعهرٍ واضح.
"فليذهب محمود إلى الجحيم .. ما ذنب الآخرين إذاً ؟! "
مرةً بعد أخرى يعلو صوت الحق ولكنها سرعان ما تخرصه بشراسة " ذنبهم أنهم جميعاً مثله يظنون أن الأمر بيدهم ويمكنهم فعل كل شيء ولكني سأثبت لهم عكس ذلك .. سأمرِّغهم في التراب" .
دائماً تكون سعاد في حالة حوارٍ مع نفسها .. صراع الخير والشر فيها مازال مستمر .. جانب المنطق يقول لها أن تستسلم لهذا الفيروس وتدع تصرفاتها الهوجاء لكي لا يتضرر الآخرين .. وشيطانها يوسوس لها أن تأخذ معها رفقاء للقبر .
ذات الشيطان الذي قادها للمعصية ، هو الذي هيأ لها فكرة الانتحار التي نجت منها بعد يومين من نتيجة الفحص .. واليوم هي تجرب ووسيلة أخرى للهروب . مازال التخبط ممسكاً بيدها .. وأثر الصدمة يسلمها من إحباطٍ إلى اكتئاب إلى خوف . لا تريد أن تكون وحدها في ذلك العالم الغريب .. تريد أصدقاء و أعضاء جدد معها في هواجسها وتتملكها فكرة الانتقام.
كانت الشمس في الجانب الآخر من الطريق تلملم خيوطها الذهبية وهي تهم بالمغادرة نحو المغيب . شاب في الثلاثينيات من عمرهِ في محطة الوقود يراقب غروبها من خلف نافذة سيارته الفارهة .. رائحة مثيرة تفوح من داخل سيارته وأغنية هادئة يتمايل معها بانسجامٍ تام .. أغلق عامل المحطة خزان الوقود فأعطاهُ الشاب أجرِه وأنطلق بسيارته.
سعاد على الرصيف تائهه تتفحص العامة لتختار منها ضحيتها الأولى ، المركبات العامة تُنِزِّل الركاب وتحمل آخرين وهي مازالت في مكانها . ربما لم تأتي الضحية بعد " يجب أن يكون في عمر محمود تماماً " هكذا كانت شروط الضحية لديها " ويجب أن يكون... " قطعت سعاد حديثها الداخلي وأخذت تلوِّح لسيارةٍ أنيقة مرَّت بجانبها ، لم يكترث السائق لها وأنصرف يتمتم في سره " العاهراتُ يكدنَ يقطعنَ الطريقَ على الرجال "
جملةً من الشتائم والسباب كالتها سعاد عليه وأردفت في نفسها :
" لن أموت وحدي .. لابد من آخرين "
وأخرجت عطرها المثير مرةً أخرى ورشته علي جسدها
" ها قد جاء "
صاحت في داخلها بسعادة . ذات الشاب في محطة الوقود وذات الرائحة المثيرة والسيارة الفارهة وقف أمامها بعد أن لوحت له سعاد بتمايلٍ أنثوي خبيث .
" إلى أين ؟؟ " أخرج الشاب عبارته من نصف نافذة سيارته .
"أريد فقط أن أجتاز ذلك الجسر إلى الجهةِ الأخرى فالطريق مزدحمة " قالت ببراءةٍ مصطنعة.
لحظات وكانت سعاد داخل السيارة عن يمين الشاب ذو الثلاثين عاماً وقد بدأت في تنفيذ مخططها الملعون .
" أتمنى ألأَّ أكون قد أقحمت نفسي عليك " قالت سعاد.
" إطلاقاً .. فالطرق حقاً مزدحمة .. إلى أين بالتحديد ستتجهين !! قد يكون طريقنا واحد " قال الشاب
"أتمنى ان يكون طريقنا واحد" أردفت بدلالٍ واقتربت منه أكثر . لم يكن الشيطان يحتاج الكثير ليوقعهما سوياً في حبالهِ .
لحظات وقالت بوضوحٍ بعد أن خلعت خمارها الغير مستقر على شعرها:
" أهناك متسع في سريرِك لشخصٍ آخر ؟؟! "
لم يجاوبها شفاهةً وأكتفى بوضع يدهِ علي يدها المرتعشة . لقد أفلح الشيطانُ إذاً فها هما في شقةٍ مشبوهةٍ وفي وضعٍ مشبوه ولا يفصلهما عن بعضهما في سريرٍ واحد سوى ما يكفي لدخول نملةٍ صغيرة دون أن ترفع يدها ملوحةً لصويحباته بالوداع ... تقلَّصت المسافات والملابس بينهما وعلى الأريكة يصفق الشيطان بسرورٍ لسعاد .
أتمت سعاد مخططها الخبيث وأخذت رقم تلفونه ورجعت لمنزلها بعد أن نامت أمها العجوز. إرتدت سعاد أجمل ثيابها وخرجت بعد الثامنة من مساء اليوم التالي وبدأت رحلة البحث عن ضحيةٍ أخرى من ذات الرصيف .. لم يطل إنتظارها هذه المرة فالملابس التي ترتديها جعلت الآخرين يتسابقونَ لخطفها ، سريرُ آخر ، وعُريٌ آخر ومريض آخر .. أكملت حماقاتها وأخذت رقم تلفون ضحيتها الجديدة وقفلت راجعة للمنزل .
لأكثر من عشرين يوماً وسعاد تمارس الفاحشة دون تحفظ وتشترط على ضحاياها أن يمارسوا معها بتحررٍ كامل وبدون أي عازل لتكتمل جريمتها .. مزيداً من الضحايا ومزيداً من أرقام هواتفهم الجديدة صارت في حوزة سعاد وأمها المسكينة تنام دائماً بحجة أن إبنتها مع صديقتها "سوسن" .
بلغ اليأس ذروته لدى سعاد ، فالأكفان التي خاطتها لم تشغلها عن همومها وخوفها من المستقبل المميت .. تدهورت صحتها وأصبحت رهن سجنها المخيف لا تبارح منزلها ولا تأكل .. كثيراً من المحادثات التلفونية الفاضحة وكثيراً من الأصدقاء التي تدلهم على فتيات سيئات من مكانها بحكمِ أخلاقها السيئة .. تريدُ حيِّزاً أكبر من الإنتشار لذلك الفيروس وتريدُ أكبر عدداً من الرجال المصابين . ذكريات تلك الليالي الفاسقة تترائي أمامها وتستعرضها بفرحةِ المنتصرين رغم دموعها التي لم تفارقها أبداً . وفي كل مرةٍ تحصي عدد ضحاياها .. واحدٌ وثلاثين رقم تليفوناً جديداً مما يعني واحدٍ وثلاثين ضحيةً .
"كم مرةٍ يجب أن يموت محمود في داخلي !!" قالت لنفسها وانفجرت ضاحكة " لا يهم ... فكل هؤلاء الرجال تحت أمري وتحت رحمة نظرتي ، لن يروي شبقهم غيري كما لن يقتلهم أحداً غيري " وعادت لبكائها الغريب. بكاءٌ وضحكٌ وصمتٌ ووجوم يسيطران عليها في آنٍ واحد ورهبة أن الموت يقف على بابها في إنتظار أن تفتح ، لم يبرح مخيلتها .. تخاف أن تخرج من غرفتها فيصطادها الموت .. تخافُ إن باحت بحقيقة مرضها للآخرين ، أن ينبذوها ويتخلوا عنها .. لا تريد أن تفقد كل هذه الأشياء المحيطة بها ولكنها يجب أن تعيش كالأخريات لابد لها أن تتزوج وتنجب .. تجاوز عمرها الثامنة والعشرين عاماً ولم يتقدم لها أحد فالجميع في الحي يعرف علاقاتها المشبوهة بمحمود الذي شوَّه سمعتها وهرب وهو مثله مثل زوج والدتها الذي خانَ أمها وتم ضبطه متلبساً مع إمرأة أخرى وكثيراً ما حاول الإيقاع بسعاد وهي ما تزالُ طفلةً .
كلما همدت نار إنتقامها من محمود قليلاً ، تُشعِلها بكراهيتها لزوج أمها الذي لم يكن أمامهما سوى ثورٍ هائج يضربهما لأتفهِ الأسباب ولا همَّ لديه سوى النساء .
" سِكيرٌ غبي مثل محمود ... تُفٍ لقبيلةِ الرجال "
أخرجتها سعاد بمنتهى الحقدِ والكراهية .. لقد حان الدور لكي تردَّ حقوقها وحقوقِ أمها ...
أخذت الإحباطاتُ المحيطةُ بها تُقعِدَها أحياناً على الأرض وأحياناً على طرف سريرها الصغير وأحياناً تختبئ داخل خزانة ملابسها وترتعدُ من الخوف ، ضميرها يُمسِكُ بسوطٍ من نارٍ ويضربها كلما همَّت بالنوم وذلك الفيروس يمرح سعيداً داخلها وداخل كل الرجالِ الذين نامت معهم .
" لابدَّ من خلاصٍ إذاً "
هكذا يقترحُ عليه الشيطان في داخلِها المتمزق .. ولكن أمها المسكينة التي لا تملك من هذه الدنيا سواها وأسرةٍ خالها التي ضاقت ذرعاً بالعاصمة وأنتقلت لجذورها بإحدى الأقاليمِ النائية .
" يجب أن أصارحَ أمي فقط ... عليها أن تعلمَ بالأمر .. ربما سيخفِّف هذا عليَّا قليلاً "
قالت وهي ممسكةً بضفيرتها المتدلية من شعرها الطويل . لا تستطيع "سعاد" ذلك فهي تعلم جيداً أن والدتها رهينة أمراض الضغط والسكَّري اللذان يبقيانها بعيدةً عن أي إنفعال لهذا ستفقدها إذا أخبرتها بذلك .
" لا أحد سيفهمني سوى سوسن " صاحت بفرحةٍ حزينة ولكن سرعانَ ما عادت لحيرتها حينما تذكَّرت أن عائلة صديقتها سوسن أوقفوا إبنتهم من الزيارات المتبادلة بينها وبين "سعاد" لكي لا تجرفها نحو الرزيلة .
" إذاً ... لا شخص آخر سوى ذلك الطبيب "
أعلنها صوت الضمير داخلها بجرأةٍ ، فأسكتته بالنهوض من مكانها والبكاء مرةً أخرى وقامت بمحادثة إحدى زوارها الليلين لكي يوفر لها مأوى أخير وبعضاً من حقن المخدر الذي أدمن عليه.. فرح الشاب بفكرتها واتفقا على قضاء ليلةٍ سافرةٍ أخرى
تجاوزت سعاد كآبتها وذهبت بيأسٍ لليلة الأخيرة التي أرضت فيها جميع نزواتها الحسية ولم ترجع حينها للمنزل .. فقد سهرا سوياً وغابا عن الوعي سوياً .. لترجع سعاد في اليوم التالي برفقةِ عددٍ من حقن تلك المادة المخدرة .. وكعادتها قدمت حجةٍ واهية لأُمها العجوز ... ولكنها عادت ونامت على صدرها طيلة النهار .. قالت لها فقط أنها مرهقة ولم تخبرها بشيء .. أحست حينها بكامل الطمأنينة وهي تنام على صدرها الحاني ، ياليتها لم تفارقه أبداً .. يا ليتها لم تخرج من رحمها أصلاً .. ياليتها لم تكن أُنثى
في المساء .. عادت سعاد لغرفتها وقد فارقها الأمن مباشرةً بعد أن إبتعدت عن حضن أُمها .. عاد القلق بصورة فظيعة . لأول مرة تتناول ذلك المخدر .. لابَّد أنها الآن تحت رحمة الإدمان .. دقات قلبها تكاد تخرج خارج صدرها .. وقدماها بالكاد تساعداها على الوقوف .. أحست بأنها أضعف بكثيرٍ من أي لحظة أخرى .. انطبقا عليها هاجسا الإدمان والمرض .. أخذت تنظر لنفسها في المرآة .. لم تر وجهها وقتها , كانت فتاة بلا وجه .. فتاةٌ يقف الإيدز ممسكاً بيديها في عنف . أخذت يديها المرتعشتان تبحثان عن هاتفها المحمول تناولته واتصلت بالطبيب الذي تقيم علي بعدِ نصف ساعةٍ من عيادته التي أجرت فيها الفحص وطلبت منه بإلحاح أن يأتي لمنزلها الآن ثم أنهت المحادثة وازدادت بكاءً . كان الشيطان وقتها يُمليها مخططه بسعادة وهي تنفِّذُ بإستسلامٍ تام ، إستعادت بعض تماسكها وأخذت تكتب رسالةً نصيةً على هاتفها المحمول .. رسالةٌ لطالما خططا هما والشيطان سوياً لكتابتها .. ولطالما تخلَّت من أجلها عن كرامتها وشرفها كأنثى .. رسالةٌ تحمل جملةً من الرسائل التي ستدمر جميع من أحتكت بهم وكل الرجال الذين عرفتهم .. كان محتوى الرسالة لا يتجاوز الخمس كلمات فقط ، كتبتها ودموعها ترفض التوقف وقامت بإرسالها للواحدِ والثلاثين رجلاً الذين عاشرتهم . فهي لم تأخذ أرقام هواتفهم المحمولة عبطاً .. هاهي حوجة تلك الأرقام قد ظهرت .
بعدها قامت "سعاد" بتحطيم الهاتف فورَ تأكدها من وصول رسالتها للجميع عن طريقِ تقنية خيارات الإرسال المتعددة داخل هاتفها وأخذت تستعيد شريط ذكرياتها المرة وكل لحظه كانت مع فتاها السابق محمود والبكاء والإرتباك والقلق يحيطان بها من كل جانب ثم أخذت الورقة والقلم وكتبت بإستعجالٍ فيها " لقد إنتقمت أخيراً من محمود "
بعدها أخذت حقنة المخدر وحقنت نفسها بكمياتٍ كبيرة جداً منه ، وعلَت ضحكتها بعد ذلك ليعقبها دموع وبكاء ثم سقطت على الأرض بإنهيارٍ تام . إنتبهت أمها لصوت الإرتطام ودخلت غرفتها في ذات اللحظة التي دخل فيها الطبيب ليجدا "سعاد" جثةً هامدة على الأرض وما تزال الإبرة مغروسةً في يدها التي إنتفخت من كُثر الجرعات إلي حُقنت بها .
أنتبه الطبيب للرسالة الموضوعة بجانب الهاتف المحطم فقرأها أمام أمها التي سقطت مغشيةً عليها من الحزن .. إرتبك الطبيب قليلاً لكنه قاوم الموقف وقام بلف جثة "سعاد" بقطعة قماش وأخذ أمها للمستشفى وهي تحتضر.
في ذات اللحظة كانت الرسالة تسري بسرعة داخل شبكات الهواتف المحمولة .. أحد الشباب المعنيين بالرسالة وصلت له فقام بفتحها بسرعة وإذ بها كالآتي :
( مرحباً بك في نادي الإيدز )
معز عوض أبو القاسم جاد الله
الإشراف الثقافي _ جامعة القضارف
0922226537 -0918875557
moizawad12@yahoo.com