البارحة داهمتني قصيدة بعد طول غياب .. تركت لها كل شيء ، واستعددت لها كمن يحاول أن (يدُودِر) صيده نحو (الشَرَك) ..
ظلّت تراودني عن حزني وأراودها عن شعري .. لم استطع أن أتحرك نحو ورقة وقلم كي لا تتبخر من ذاكرتي ، ولم استطع حتى أن أكتب على هاتفي .. تسمّرت في مكاني وآثرت أن أحتفظ بها في مخيلتي التي أدرك تماماً أنها لم تعد مهيئة لذلك .
أخذت أردد وأكتب في ذاكرتي فقط ما جادت به علي القريحة ،
كانت هذه القصيدة تخصك ، وكنت أنوي أن أهديها لك في هذا التاريخ / تاريخ ميلادك الجميل .
لطالما مازحتك في التشابه الذي يربط بين تاريخ ميلادي وتاريخ ميلادك ، أنا (12/21 ) وأنت (2/21) .. كان الإختلاف بيني وبينك في هذا الـ( واحد) .. وكان التشابه بيني وبينك في مودةٍ جمعتنا بها الأيام ..
لم أحاول رثاءك في هذه القصيدة ، حاولت أن أبتعد عن حزني قليلاً وأتحدث عن جمال ذكرياتي معك ومع (فتحي) مع إنني كنت أبكي بوضوح ..
ظللت أكتب في ذاكرتي حتى وقتٍ متأخر من الليل، تذكرت محمود درويش الذي قال أن القصيدة حالة إحتضار .. أصدقك القول أنني كنت أنام على شقٍ واحد ، أخاف أن أغيّره ، فتستعصى عليّ القصيدة ..
كان شريط ذكرياتنا يمر أمامي بمحبةٍ وحزن .. هذه المرة الأولى التي لم استطع أن أدوّن فيها هذا العبث بورقة ..
لم أكن أدري أن مخاض القصيدة بهذه الحساسية والألم إلا في تلك اللحظة ..
لهفة أن أرى المنتوج النهائي ذكرني لحظة ولادة متعسرة لعنزتنا وأنا وأخي (محمد) نترقب في لهفة مولودها الجديد . كنا صغيرين جداً وننتظر بتشوق .. هو يقول أنه ذكر وأنا أفضلها أنثى .
إذاً هكذا يتمخضون ..
حتى وقتٍ متأخر ظللت أراود القصيدة .. أيقظني من هذا العالم ألم حاد في عنقي وشقي الايمن الذيْنِ ظلا قرابة الساعتين ونصف على وضعيةٍ واحده .. ومازالا يؤلمانني حتى الآن ..
لا جدوى من الإعتماد على ذاكرتي .. هرعت لألتقط هاتفي أو ورقة لأنزل بها هذا الهذيان ..
تحركت .. وأنت ماتزال في ذاكرتي ولحظة وصول نبأ رحيلك الصادم كأنه الآن ..
تحركت في ظلام الغرفة لأبحث عن قلم وورقة .. الضؤ يطرد القصيدة ، هكذا كنتُ اعتقد .
غيَّرت فكرتي ورجعت للسرير .. علي أن أكتب على هاتفي حتى لا تتبعثر القصيدة .
فتحت ملاحظات الهاتف وأردت أن أكتب عنك .. عن ودي لك .. عن ذكرياتنا معك .. عن مرحك ومزاحك .. عنك.
تلعثمت حروفي .. لا أدري أين ذهبت .. الصفحة بيضاء وتنتظر حرفي .
وحرفي لا أجده الآن .. حاولت أن أكتب وأهديك حرفي في عيد ميلادك ..
لاشيئ في ذاكرتي مما كتبت لك ..
فقط لو أتذكر مطلع القصيدة ..
فقط لو أتذكر الحرف الأول من المطلع ..
لا شيئ ..
زاد توتري وتصببتُ عرقاً .. أين ذهبت !!
(ثابت) ينتظرني غداً ..
لا شيئ ..
يزداد ألم عنقي وكتفي الأيمن ..
أين ذهبت حروف اللغة العربية !! وكأن أصبعي لم يكتب من قبل وكأنني تلميذ في يومه الأول بالمدرسة .
لم أتذكر أي شيء منها .. حاولت جاهداً أن أتذكر وهي تتمنع ..
تذكرتُ حسرة كل النساء اللآئي أجهضن في العالم .
تذكرت (حِمّيد) عندما أكمل قصيدة الجابرية وأحضر (مسجل) وبدا بالإلقاء بإحساسٍ عالٍ وصادق . وظل يسجل حتى نهاية القصيدة . وعندما فرغ من نهايتها تذكر أنه لم يضغط على زر التسجيل وضاع كل شيء.
تذكرت مظاهرات ديسمبر ويناير وفبراير .
تذكرت صديقي (فتح الرحمن) وهو يطلب منّا ونحن صغار ويقول (لبِّدُوني) ويمشي على أصابع قدمه برفق في محاولة منه لإمساك عصفور صغير على سور المدرسة .
تذكرت جون قرنق ، ولا أدري لماذا .
تذكرت كل شيء ، ونسيت كلمات القصيدة.
تباً لقد ضاعت إذاً ...
ليتهم يعيدوها لي ويأخذو كل ما كتبت ..
أو ليتهم يُعيدوكَ لي أو يأخذونني معك .
خروج :
كل ما استطعت تذكره منها هذا المقطع فقط :
"تاني القصايد تنتصر
والكلمه ماعونا البضيق
توسع قدر ختة نفس"
على كلٍ أنت تعلم ما كنت أنوي قوله لك .. كما أنني أعلم أن الموت لم يأخذ روحك الطيبة وتركها تتجول بيننا ..